تحديات استشارات الحوكمة في اليمن

سفينة عملاقة تعطل محركها، استعان أصحاب السفينة بالخبراء الموجودين، ولكن لم يستطع أحد منهم معرفة إصلاح المحرك، ثم أحضروا رجلا عجوزا يعمل منذ أن كان شابا في إصلاح السفن، كان يحمل معه حقيبة بها بعض الأدوات، وعندما وصل، بدأ في العمل، فحص المحرك بشكل دقيق، من القمة إلى القاع، اثناء ذلك كان معه اثنان من أصحاب السفينة يراقبانه، وبعد الانتهاء من الفحص، ذهب الرجل العجوز إلى حقيبته وأخرج مطرقة صغيرة؛ وبهدوء طرق على جزء معين من المحرك، بعدها عاد المحرك فورا للعمل، وبعناية أعاد المطرقة إلى مكانها، وقال : تم اصلاح المحرك.

بعد أسبوع استلم أصحاب السفينة فاتورة الإصلاح من الرجل العجوز؛ وكانت مفاجأة فقد طلب عشرة آلاف دولار!!

أصحاب السفينة قالوا: هذا المبلغ كبير جدا فهو لم يفعل شيئا سوى الطرق بالمطرقة، لذلك كتبوا للعجوز ملاحظة تقول “رجاء أرسل لنا فاتورة مفصلة” فأرسل الرجل العجوز الفاتورة التالية:

الطرق بالمطرقة: دولار واحد.

معرفة أين تطرق: 9999 دولارا.

لم أجد عند تحضيري لهذا المقال أفضل من هذه المقدمة التي تُلخص لنا وضع الخدمة الاستشارية في سوق الاعمال، ففي الواقع فان الثقافة حول أهمية الخدمات الاستشارية بشكل عام والحوكمة بشكل خاص لازالت ضعيفة وينظر لها كثير من الملاك والمدراء من زاويتين ضيقتين أحدها ان الحوكمة تكلفة إضافية وينظر اليها أخرون على انها تصيُد للأخطاء وتنظير لمثاليات لن تنقل الى الحيز العملي، ولو دققنا قليلاً لوجدنا ان التكاليف والأموال التي تصرفها المؤسسات في تعديل الأخطاء الإدارية والمالية ومعالجة الفساد وحل النزاعات بعد فوات الأوان كان بالإمكان اختصارها من خلال الإدارة الجيدة وأدلة الحوكمة المنظمة للرقابة والتوجيه والضامنة للإفصاح في الوقت المناسب والوصول الى حالة الشفافية والعدالة وغيرها من متطلبات استدامة الأعمال، ومن الزاوية العملية، فان ما تنص عليه الحوكمة هو ما يلبي وبصورة مباشرة احتياجات المؤسسات من التطبيقات التي تُمكنّا من البِدء في تحسين بيئة العمل، لذا فان توليد القناعات حول تطبيقات الحوكمة والممارسات الفضلى ليس بالأمر السهل.

اننا ومن خلال أدوات تحليل الفجوات وتشخيص ممارسات الحوكمة داخل المؤسسات، نستطيع ان نلفت الانتباه الى جوانب القصور في الأداء وضرورة تدارك الخطر وإيجاد الحلول المناسبة للإشكاليات المتوقعة والمحيطة بالمؤسسة والتي بطبيعة ضغط الاعمال الروتينية واليومية لن يستشعرها ملاك ومدراء المؤسسات كونها ليست ضمن خانة الطوارئ التي تعود الكثير على الانشغال بها، متناسين ان تراكم تلك الإشكاليات وتجاهلها سيؤدي الى هلاك المؤسسة تدريجياً وخروجها من المنافسة عند أول مطب او تغير في طبيعة السوق.

كبيت خبرة في مجال الحوكمة منذ العام 2007م نحرص باستمرار عبر كافة قنواتنا من البرامج الاحترافية والأدلة والاصدارات المُحكمة والمؤتمرات والندوات  ان نُوصل فكرة ان التشخيص لممارسات الحوكمة والاستشارات هي اول الطريق لمعرفة الوضع الداخلي للمؤسسات من منظور ثلاثي، ابتداءً بالجمعية العمومية المُنظمة والى أي مدى يتم حماية جميع المساهمين ومعاملتهم بالتساوي، ووجود سياسات خاصة بالمعاملات مع الأطراف ذات الصلة وتضارب المصالح والتداول بناء على معلومات داخلية صحيحة ومفيدة والاعتراف بالحقوق القانونية لأصحاب المصلحة انتقالاً ومروراً بمجلس الإدارة والأدوار والمسؤوليات المناط به، انتهاءً بالإدارة التنفيذية بمختلف جوانب الممارسات والإجراءات التي يتم العمل بها بالمؤسسة.

لذا فان معرفة كل ذلك بموضوعية ورسم اين نريد ان تكون المؤسسة في المستقبل بصورة واضحة وأين نقف اليوم، يساعدنا بشكل كبير في اعداد الخطة السليمة للحوكمة لكافة المستويات وتحديد أولوياتها والمعنيين بتطبيق تلك الخطة، وبالتالي حشد الجهود الكافية لتبني الإصلاحات من الجميع، كما ان وجود خطة للحوكمة ومنهاج عمل لممارساتها يُجنبنا الصراعات والتخبط ويبعدنا عن قرار الرأي الشخصي والاستناد اليها والى أولوياتها لنصل الى ضمان حقوق الجميع واستدامة المؤسسة عبر الأجيال المتعاقبة بسلاسة، أن الحوكمة لن تفيد الشركة وملاكها وموظفيها فحسب وانما الاقتصاد بشكل عام، فالحفاظ على الشركات واستدامتها هو استمرار عجلة الاقتصاد وتحسين مستوى حياة المجتمعات.