من البديهي أن ينصب تركيز الباحثين ومؤسسات الحوكمة بشكل أكبر على نوع الشركات التجارية الأكثر تأثيراُ في الاقتصاد المحلي، والذي يمثل ما لا يقل عن 90% من عدد الشركات العاملة في اليمن، ألا وهي الشركات العائلية. تعتبر الشركة العائلية مزيجاً متداخلاُ من العمل التجاري، والعائلة، والملكية وقد يؤدي التداخل بين المجموعات الثلاث إلى اختلاف وجهات النظر بين الأفراد في هذا المزيج في الشركة الواحدة. وتختلف الشركات العائلية فيما بينها من حيث أساليب الإدارة المرتبطة بكل جيل، السلطة الممنوحة للأفراد المديرين/المالكين من العائلة، وثقافة العائلة المالكة للشركة ويرجع ذلك لوجود عائلة مالكة واحدة في كل شركة عائلية يمنية تملك وتدير الشركة.
يؤدي هذا الاختلاف الى عدم تجانس هياكل الحوكمة في الشركات العائلية، وهذا بدوره يؤدي الى أداء مختلف لكل شركة، وهو ما يربك الشركات العائلية الراغبة في حوكمة أعمالها التجارية، ويطرح سؤالا حول أفضل الممارسات المطلوبة في هذا الخصوص.
بيد أن أحد أهم العناصر المؤثرة في نجاح حوكمة الشركات العائلية يتمثل في ثقافة العائلة. تعمل ثقافة العائلة كألية حوكمة غير رسمية من خلال القيم التي يتم التأكيد عليها في اللقاءات العائلية الرسمية وغير الرسمية ومجالس العائلة وكذلك في رؤية العائلة ضمن الدستور العائلي والتي بدورها قد تؤثر في الخيارات الاستراتيجية للشركة العائلية. حيث تعمل القيم على توجيه أطراف التجارة العائلية الثلاثة: العائلة، والتجارة، والملاك ضمن حيز أداء مرغوب فيه وغالباً ما يعكس فلسفة المؤسس وهو ما نراه في بعض الشركات العائلية الناجحة في اليمن كمجموعة هائل سعيد أنعم.
وتساعد هياكل الحوكمة غير الرسمية في تعزيز ثقافة العائلة من خلال التركيز على قيم العائلة التي تساعد هذه الهياكل (التجمع العائلي/مجلس العائلة) في حل النزاعات وصياغة الاستراتيجيات والحفاظ على وحدة العائلة وفق قيم العائلة ورؤية الشركة.
ورغم عزوف كثير من الشركات العائلية عن تطوير أليات حوكمة تساعدها على الاستمرار والتطور في العمل التجاري بالتوازي مع نمو وزيادة حجم العائلة المالكة والمديرة للشركة، إلا أن اسم العائلة المرتبط بالتجارة يتم التعامل معه باعتباره إرث يجب الحفاظ علية من قبل المالكين للشركة العائلية ويصبح جزء من ثقافة العائلة الذي يترجم لاحقاً الى لوائح وإجراءات مرتبطة بطيعة العمل التجاري ويلتزم بها أفراد العائلة العاملون في الشركة.
ومن هنا يبرز دور ثقافة العائلة كمدخل لتطوير هياكل حوكمة للعائلة ابتداءً تساعد في الحفاظ على قيم المالك المؤسس والعائلة المالكة والمؤثرة في صناعة القرار وبالتالي تسهم في تطوير هياكل حوكمة رسمية للشركة العائلية.
أخيراً، أثبتت كثيرا من الدراسات الحديثة أهمية ثقافة العائلة وأثرها في الإبداع المنظمي للشركات العائلية التي طورت هياكل حوكمة ركزت في ألياتها على ثقافة العائلة المالكة واستمدت من خلالها أفضل الممارسات وهو الأمر الذي تحتاجه كثيرا من الشركات العائلية العاملة في اليمن.